إحياء الأماكن العامة في الزرقاء: ما بين الانطباع والواقع

رغد الشيخ
لطالما كانت مدينة الزرقاء مكانًا تتباين حوله الآراء، وخصوصًا فيما يتعلق بأماكنها العامة. فبين من يعتبرونها امتدادًا لبيوتهم، حيث يقضون أوقاتهم ويتفاعلون مع مجتمعهم، وبين من يرونها مهملة وغير آمنة، وجدنا أنفسنا أمام واقع متعدد الأوجه خلال تجربتنا في دراسة هذه المساحات ضمن مشروع إحياء الأماكن العامة في الزرقاء.
صوت المجتمع: مرآة لواقع الأماكن العامة
من خلال المقابلات المباشرة والورشات التفاعلية، اكتشفنا أن لكل شخص في الزرقاء قصة مع الأماكن العامة. البعض يراه ملاذًا، حيث يجتمع الأصدقاء ويتشارك الجيران كبارًا وصغارًا الحياة اليومية، بينما يرى آخرون أن هذه المساحات فقدت قيمتها بسبب الإهمال أو سوء الاستخدام. هذه التباينات دفعتنا إلى طرح تساؤلات أعمق حول ما يجعل المكان العام ناجحًا وحيويًا.
كجزء من البحث، أجرينا عدة ورشات عمل مع فئات مختلفة من المجتمع. عُقدت إحدى الورشات مع مجموعة من الباحثين الشباب، حيث شاركوا في أنشطة تفاعلية تهدف إلى تحديد أولوياتهم في الأماكن العامة باستخدام أساليب مختلفة تعكس هذه الرغبات .
و في يوم ماطر وحافل، كان لنا لقاء مميز مع سكان الزرقاء و المجتمع المحلي من خلفيات مختلفة، حيث شهدنا نقاشات غنية حول احتياجاتهم وتطلعاتهم عن طريق أساليب أظهرت ارتباطهم العاطفي بهذه المساحات؛ مثل صنع خريطة عاطفية ترصد مشاعرهم تجاه الأماكن التي يرتادونها، إضافةً إلى التعرف على تصوراتهم حول المساحات المفتوحة والأشجار والفعاليات التي يرغبون في رؤيتها. هذا التفاعل الحي كشف لنا أن الأماكن العامة ليست مجرد فراغات، بل هي حاضنة للقصص والتجارب التي تشكل وجدان المدينة.
كيف غيرت التجربة نظرتي كمعمارية؟
لطالما تعاملت مع الأماكن العامة من منظور التصميم والتخطيط العمراني، لكن هذه التجربة منحتني بُعدًا جديدًا كليًا. أدركت أن المكان العام ليس مجرد مخططات هندسية ومساحات خضراء، بل هو نسيج حيّ من التفاعلات اليومية التي تُشكّل هويته. قبل هذا المشروع، كنت أؤمن أن التصميم الجيد وحده كفيل بجعل المكان ناجحًا، لكنني اليوم أدرك أن نجاح أي فضاء عام يعتمد أولًا على إحساس الناس بالانتماء إليه و كيفية استخدامهم له، وليس فقط على عناصره البصرية أو الهندسية.
اكتشفت أيضًا أن هناك فجوة كبيرة بين ما نصممه على الورق وبين الواقع الذي يعيشه الناس. كثيرًا ما نُفكر كمعماريين في حلول نظرية مثالية، دون أن نضع في اعتبارنا السياق الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للمكان. هذه التجربة جعلتني أرى أن دور المعماري لا ينتهي عند تصميم الفراغ، بل يمتد إلى فهم مستخدميه، والاستماع إلى احتياجاتهم، وإشراكهم في عملية التطوير لضمان استدامة الحلول المقدمة.
التحديات
من التحديات التي برزت خلال المشروع، التناقض بين الرغبة في التغيير وبين قلة المبادرات الفعلية لتحقيقه. كثيرون عبروا عن رغبتهم في رؤية أماكن تعكس تطلعاتهم، ولكنهم في الوقت ذاته لم يشعروا بالمسؤولية تجاه هذه المساحات. هذه الفجوة بين التوقعات والواقع جعلتنا نعيد التفكير في كيفية إشراك المجتمع بشكل أكبر في عملية التطوير، بدلًا من أن يكون التغيير مفروضًا من جهات خارجية.
ما بين التحديات والآمال، أدركت أن الأماكن العامة ليست مجرد مساحات في المدينة، بل هي انعكاس لحياة الناس فيها. الزرقاء ليست مجرد مدينة ذات طابع صناعي أو بيئة حضرية مزدحمة، بل هي نسيج غني بالتجارب والقصص، وأماكنها العامة يمكن أن تكون منصات للتفاعل والتغيير إذا ما أُعيد التفكير فيها بالشكل الصحيح، وبمشاركة مجتمعية حقيقية تضمن أن تكون هذه المساحات حية ومؤثرة في حياة من يستخدمها.
رغد الشيخ، طالبة هندسة عمارة في الجامعة الهاشمية، شغوفة بالتصميم المعماري والاستكشاف البصري من خلال التصوير و صناعة الأفلام. أنشط في العمل التطوعي ضمن عدة مؤسسات، حيث أساهم عادةً في مجالات الإعلام، التصوير، والتفاعل المجتمعي.